تسلسل الجيل الثالث TGS


مقدمة

تقنيات تسلسل الحمض النووي شهدت تطورًا كبيرًا خلال العقدين الماضيين، حيث تطورت من التسلسل التقليدي (Sanger sequencing) إلى تقنيات تسلسل الجيل التالي (NGS) ثم إلى الجيل الثالث (TGS). يعد تسلسل الجيل الثالث (Third-Generation Sequencing - TGS) هو أحدث ابتكار في مجال تسلسل الحمض النووي، ويُتوقع له أن يغير بشكل كبير أسلوب البحث في علم الوراثة، وخاصة في مجالات مثل التشخيص الطبي، وعلم الجينوم، والبحث في الأمراض المستعصية. في هذا المقال، سنتعرف على تقنية الـ TGS، كيفية عملها، أهم ميزاتها وفوائدها، بالإضافة إلى التطبيقات المستقبلية لهذه التقنية.


ما هو تسلسل الجيل الثالث (TGS)؟

تسلسل الجيل الثالث (TGS) يشير إلى تقنيات تسلسل الحمض النووي التي تتجاوز قدرات تسلسل الجيل التالي (NGS) في سرعة التسلسل وقراءة أطوال أكبر من الأحماض النووية في الوقت نفسه. بينما تعتمد تقنيات الجيل التالي (NGS) على تقطيع الحمض النووي إلى قطع صغيرة ثم تسلسلها، فإن الجيل الثالث يتيح تسلسل الحمض النووي مباشرة دون الحاجة إلى تكسره إلى قطع صغيرة. بذلك يتجنب الـ TGS عملية التجميع التي يمكن أن تؤدي إلى فقدان بعض البيانات الهامة، وبالتالي يعزز من دقة التسلسل.


طريقة عمل تسلسل الجيل الثالث (TGS)

تعتمد تقنيات الـ TGS على قياس التغيرات في التيارات الكهربائية أو الضوء أثناء مرور الأحماض النووية عبر نانوبور في المواد الحية أو المواد الاصطناعية. يختلف كل نوع من أنواع تسلسل الجيل الثالث في أسلوبه، ولكن الأطر الأساسية هي:


تقنية النانوبور (Nanopore Sequencing):

في هذه التقنية، يتم تمرير الحمض النووي عبر نانوبور (فتحة نانومترية)، وهي قناة صغيرة جدًا في غشاء شبه موصل. عندما يمر الحمض النووي عبر النانوبور، تتغير التيارات الكهربائية بشكل مميز حسب القاعدة النوكليوتيدية (A، T، C، G) التي تمر عبر الفتحة.

يتم تسجيل هذه التغيرات في التيار، ما يسمح بتحديد القاعدة الجينية في الوقت الفعلي. إحدى الشركات الرائدة في هذه التقنية هي Oxford Nanopore Technologies التي تطور أجهزة مثل MinION.


تقنية تسلسل البوليميريز (Polymerase Sequencing):

في هذه التقنية، يعتمد مبدأ العمل على مراقبة تفاعلات الإنزيمات في الوقت الفعلي. يتم استخدام بوليميريز DNA لإضافة القواعد الجينية أثناء التفاعل، ويتم قياس التغيرات الحاصلة بشكل مستمر.

قد يستخدم هذا النوع من التسلسل تقنيات مثل Pacific Biosciences، التي تعتمد على "تسلسل عبر الاصطفاف" لمراقبة تفاعلات البوليميريز بشكل مستمر.


التسلسل عبر الإضاءة (Optical Sequencing):

تعتمد بعض تقنيات الـ TGS على مراقبة الضوء الصادر من الأحماض النووية أثناء إجراء التفاعل الكيميائي في عملية التسلسل. كل قاعدة جينية يمكن أن تصدر ضوءًا فريدًا عند إرفاقها بالحمض النووي، ويتم استخدام هذه الإشارة البصرية لتحديد القاعدة الجينية.


فوائد تسلسل الجيل الثالث (TGS)


قراءة أطوال طويلة (Long Read Lengths):

من أهم ميزات الـ TGS أنه يمكنه قراءة أجزاء طويلة من الحمض النووي، مما يعني أنه يمكن تسلسل جينوم كامل دون تقسيمه إلى قطع صغيرة كما في تقنيات الـ NGS. هذا يساعد في تجنب الأخطاء التي قد تحدث أثناء تجميع الجينوم من القطع الصغيرة.


السرعة والقدرة على القراءة المباشرة (Real-Time Sequencing):

في الـ TGS، يمكن بدء عملية قراءة الحمض النووي بشكل مباشر أثناء مرور السلسلة عبر النانوبور أو خلال التفاعل الكيميائي، ما يجعل هذه التقنية أسرع مقارنة بتقنيات الجيل التالي.


تقليل الحاجة للتحضير المعقد (Reduced Sample Preparation):

تقنيات الـ TGS عادة لا تتطلب خطوات معقدة مثل تقطيع الحمض النووي أو تكثيف العينة كما هو الحال في الـ NGS، مما يقلل من تكلفة الوقت والموارد.


دقة عالية في تحديد الطفرات (High Accuracy in Mutation Detection):

بفضل القدرة على قراءة أجزاء كبيرة من الحمض النووي دون تقسيم، يتيح الـ TGS اكتشاف الطفرات والنمط الوراثي بشكل أكثر دقة، خاصة في الحالات التي تحتوي على طفرات معقدة أو تعدد الأشكال الجينية.


تطبيقات تسلسل الجيل الثالث (TGS)


البحث الطبي وعلاج السرطان (Cancer Research and Precision Medicine):

يمكن لتقنيات الـ TGS أن تساعد في تسلسل الأورام السرطانية على مستوى الجينوم الكامل، مما يساهم في اكتشاف الطفرات الوراثية التي تؤدي إلى السرطان. هذا يوفر معلومات قيمة لتطوير علاجات مخصصة ودقيقة للمريض بناءً على جينومه.


تشخيص الأمراض الجينية (Genetic Disease Diagnosis):

تسهم الـ TGS في الكشف المبكر والدقيق للأمراض الوراثية النادرة التي قد تكون صعبة التشخيص باستخدام تقنيات الجيل التالي (NGS)، نظراً لأنها تسمح بقراءة أطوال طويلة من الحمض النووي وتحليلها بشكل دقيق.


دراسات التنوع الجيني (Genetic Diversity Studies):

تتيح الـ TGS دراسة التنوع الجيني بين الأنواع المختلفة من الكائنات الحية بطريقة أكثر شمولية. يمكن للباحثين دراسة التنوع الجيني في النباتات، الحيوانات، والكائنات الدقيقة بشكل أفضل، ما يساهم في فهم تطور الأنواع وتفاعلاتها البيئية.


تسلسل الجينوم الكامل (Whole Genome Sequencing):

يمكن استخدام الـ TGS في تسلسل الجينوم الكامل للكائنات الحية بدقة، مما يساهم في تحسين فهمنا لكيفية تأثير الطفرات على الكائن الحي وكيفية تأثير هذه التغيرات في الصحة العامة.


التطبيقات البيئية والزراعية (Environmental and Agricultural Applications):

يمكن استخدام الـ TGS لتحليل الكائنات الدقيقة في البيئة، بما في ذلك النباتات والحيوانات. يمكن أن يساعد هذا في تحسين المحاصيل الزراعية وتطوير حلول للمشاكل البيئية مثل التلوث.


الخلاصة

يعتبر تسلسل الجيل الثالث (TGS) قفزة نوعية في عالم تسلسل الحمض النووي، حيث يقدم حلولًا أسرع وأكثر دقة مع القدرة على قراءة الجينوم بشكل كامل دون الحاجة إلى تقطيعه إلى قطع صغيرة. مع قدرته على قراءة أطوال طويلة من الحمض النووي في وقت واحد، وفعاليته في معالجة البيانات في الوقت الفعلي، يفتح الـ TGS آفاقًا جديدة في الأبحاث الطبية، البيئية، والزراعية. من المتوقع أن يصبح الـ TGS أداة أساسية في المستقبل القريب، مع تزايد استخدامه في مجالات متعددة، بما في ذلك تشخيص الأمراض الوراثية، علاج السرطان، ودراسة التنوع البيولوجي.

 



المراجع:


https://www.mdpi.com/2218-273X/14/5/568


https://www.psomagen.com/blog/rise-of-third-generation-sequencing#:~:text=Third%2Dgeneration%20sequencing%20(TGS),the%20forefront%20of%20omics%20research.

   

https://www.youtube.com/watch?v=yZjZPnbu4wo