لقاء د. عبدالرحمن السليمان

لقاءات منصة جين الحوارية

الدكتور: عبدالرحمن السليمان


بدايةً، نود أن نتعرف عليك أكثر. هل يمكنك أن تشاركنا بتفاصيل رحلتك العلمية والمهنية في مجال الفيروسات الطبية والجزيئية؟ وكيف كان الطريق الذي سلكته للوصول إلى هذا التخصص؟

منذ طفولتي، كنت شغوفًا باكتشاف العالم الخفي من حولي، وهذا الشغف قادني لحب علم الميكروبات. أثناء دراستي للبكالوريوس في جامعة الملك سعود، وجدت نفسي منجذبًا لعلم الأحياء الدقيقة، وكان لأستاذي الدكتور محمد عارف دور محوري في توجيهي. واصلت دراستي العليا في جامعة مانشستر، حيث تخصصت في علم الفيروسات الطبية والجزيئية، لما له من تأثير مباشر على صحة الإنسان.


بعد حصولي على درجة الماجستير، عدت إلى المملكة وعملت في المختبرات لمدة خمس سنوات، ثم حصلت على بعثة وعدت إلى مانشستر لاستكمال الدكتوراه، حيث تخصصت في التهابات الدماغ الفيروسية وطورت اختبارًا يجمع تشخيص ثلاثة فيروسات في تحليل واحد.

بعد عودتي، تطوعت لتدريس مادة الفيروسات الطبية لطلبة الماجستير في جامعة الملك سعود، وانضممت إلى الجمعية السعودية لعلوم المختبرات الإكلينيكية وتدرجت فيها حتى أصبحت نائبًا للرئيس لمدة تسع سنوات. كما تعاونت مع الهيئة السعودية للتخصصات الصحية كمقيم خارجي لأكثر من عشر سنوات، وأنا عضو في المجلس المهني للتقنيات التشخيصية، وأرأس حاليًا المجلس العلمي لبرنامج دبلوم مكافحة العدوى بالأكاديمية الصحية. بالإضافة لذلك، أتشرف بعضويتي في عدد من المجالس الاستشارية في الجامعات السعودية المتخصصة في المختبرات الطبية.


في مسيرتك العلمية، هل كان هناك لحظة فارقة أو تحدي كبير دفعك نحو مجال الفيروسات الطبية؟ وكيف تطور هذا الاهتمام لديك ليصبح جزءًا من رسالتك المهنية؟

أحد اللحظات الفارقة في مسيرتي كانت أثناء تفشي فيروس أنفلونزا الطيور والخنازير في أوروبا أثناء دراستي للماجستير. عملت حينها ضمن فريق بأحد المراكز الطبية والبحثية بجامعة مانشستر والذي يهتم بتشخيص الأمراض الفيروسية، وكان التحدي كبيرًا في حينه، ولكنه رسّخ لدي قناعة بأهمية هذا المجال ودوره في الصحة العامة للمواطنين

من خلال خبرتك الطويلة في مكافحة العدوى، كيف ترى دور الفيروسات في سرعة انتشار الأوبئة مثل كورونا؟ وما الذي تعتقد أننا تعلمناه من تلك الأزمات؟

الفيروسات كانت وما زالت من أبرز العوامل المسببة للأوبئة. جائحة كورونا (كوفيد-19) أثبتت لنا كيف يمكن لفيروس واحد أن يغير ملامح العالم. تعلمنا من هذه الجائحة أهمية الاستعداد المبكر، والتواصل الشفاف مع المجتمع، بالإضافة إلى بذل المزيد من الدراسات والأبحاث كعامل أساسي للحد من انتشار مثل هذه الأوبئة. كما أدركنا أن الاستثمار في الصحة ليس خيارًا بل ضرورة استراتيجية.


كونك نائب رئيس الجمعية السعودية لعلوم المختبرات الإكلينيكية ورئيس اللجنة العلمية لبرنامج مكافحة العدوى، ما هي أكبر التحديات التي تواجهها المملكة في تعزيز الوقاية من الأمراض الفيروسية؟ وكيف يمكن تحسين هذا المجال على المدى الطويل؟

من أبرز التحديات في المملكة نقص الوعي المجتمعي، ومقاومة اللقاحات أحيانًا، وضعف البنية التحتية البحثية في السابق. ولكن هناك تحسن ملحوظ بدعم من القيادة الرشيدة في ظل حكومة سيدي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد الأمين. نحن بحاجة إلى تكثيف الجهود في التوعية، دعم الأبحاث، وتحديث البروتوكولات الوقائية

من خلال أبحاثك وتجاربك العملية، كيف ترى مستقبل الفيروسات الطبية في المملكة؟ وهل هناك مجالات معينة تستحق المزيد من الاهتمام البحثي والابتكار؟

أرى أن المستقبل واعد جدًا، خاصة مع التقدم في تقنيات الكشف الجيني، والعلاج المناعي، والذكاء الاصطناعي في تشخيص الأوبئة. نحن الآن في طور بناء منظومات بحثية متكاملة محليًا وربطها بالشبكات العالمية، مع التركيز على الفيروسات الناشئة المختلفة التي قد تسبب جوائح مستقبلية.

رؤية 2030 تحث على تعزيز الاستدامة الصحية والأمن الصحي. كيف ترى دورك في هذه الرؤية، وما هي الخطوات التي تعتقد أن المملكة بحاجة لاتخاذها لتكون في طليعة الدول في مجال مكافحة الأمراض الفيروسية؟

رؤية المملكة 2030 منحتنا كمتخصصين في علم الأمراض الفيروسية فرصًا تاريخية للمساهمة في تعزيز الأمن الصحي لمملكتنا الحبيبة. ويتمثل دوري مع الزملاء في هذا المجال في التشجيع على القيام بمزيد من الأبحاث العلمية، والمشاركة المجتمعية من خلال إقامة الفعاليات العلمية وورش العمل وحملات التطوع للتعريف بأهمية اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمكافحة تلك الفيروسات، إضافة إلى المساهمة في بناء القدرات الوطنية الشابة في علوم الفيروسات للتصدي لمثل هذه الأوبئة بالمستقبل.

في ظل تسارع تقدم العلاج الجيني والتقنيات الحديثة، ما هي الفرص التي تعتقد أن الجيل الجديد من العلماء والباحثين في السعودية يجب أن يستغلها في مجال الفيروسات؟ وكيف يمكنهم المساهمة في تطوير هذه التقنيات على مستوى المملكة؟

الجيل الجديد أمامه فرص كبيرة جدًا، من أبرزها استغلال فرص الابتعاث التي وفرتها حكومتنا الرشيدة لهم والانخراط بعد عودتهم لاحقاً في مراكز الأبحاث بمناطق المملكة المختلفة، مع العمل جنبًا إلى جنب مع منظمات الصحة العالمية. وعلينا أن نتذكر أن الفضول العلمي، والرغبة في الاستمرارية، والصبر هم أساس النجاح.

في النهاية، لو كنت ستوجه رسالة لشباب اليوم في السعودية أو الوطن العربي الذين يطمحون للعمل في مجال العلوم الطبية أو الفيروسات، ماذا تقول لهم؟ وما هي النصيحة التي تقدمها لهم لتكون بدايتهم قوية ومؤثرة في هذا المجال؟

أنصح كل شاب وشابة طموحين في هذا المجال أن يتحلوا بالشغف أولًا، ثم الالتزام. علم الفيروسات ليس سهلًا، لكنه ممتع ومؤثر. ابحث عن التميز، وكن دائمًا طالب علم مهما بلغت درجتك الأكاديمية.